خطبه لى بعنوان تعلموا العلم لوجه الله

الحمد لله رافع الدرجات لمن النخفض لجلاله ,وفاتح الدرجات لمن انتصب لشكر افضاله, والصلاة على من امتدت عليه الفصاحة رواقها , وشدت به البلاغة نطاقها,المبعوث بالأيات الباهرة والحجج,المنزل عليه قرانُ عربيُ غير ذى عوج, وعلى اله الهادين ,وأصحابه الذين شادوا الدين وشرف وكرم.
وأشهد أن لا إله إلا الله ,وحده لا شريك له ,وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
فإن الله قد رفع العلم وأمر بطلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(طلب العلم فريضة على كل مسلم)
وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ^على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه^والجاهلون لإهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا به أبدا^فالناس موتى وأهل العلم أحياء
وموسى -عليه السلام-عندما سأله رجل من بنى إسرائيل أى نبى الله هل هناك فى الأرض من هو أعلم منك؟
ولكن الله أوحى إليه أن العلم أعظم من أن يحويه إنسان ,أو ينفرد به رسول,وأن فى الأرض من خصه الله بعلم أوفر من علمه .
فماذا كان رد فعله عندما علم أن هناك من هو أعلم منه؟
(قال لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين)
ليعلمنا أن الرحلة فى طلب العلم من صفات العقلاء وعلى الانسان أن يطلب المزيد
وقال عبد الله ابن عباس (لو علمت أن هناك أعلم منى بكتاب الله تبلغه الأبل لسافرت إليه
ولكن العلم يا عباد الله ليس بكثرة الروايه وإنما العلم الخشية
قال مالك -رحمه الله-قال(إن طلب العلم لحسن وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية)
يحتاج طلب العلم إذا إلى النية ,وإلى الأخلاص,بل ينبغى أن يكون المتعلم من جنس ما روى عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخى-رضى الله عنهما-أنه قال له شقيق -منذكم صحبتنى ؟ قال حاتم منذ ثلاث وثلاثين سنة ,قال :فما تعلمت منى فى هذه المدة؟ قال ثمانى مسائل؟ قال شقيق له :إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب عمرى معك ولم تتعلم إلا ثمانى مسائل ؟ قال يا أستاذ لم أتعلم غيرها وإنى لا أحب أن أكذب, فقال :هات هذه الثمانى مسائل حتى أسمعها , قال حاتم :نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبا فهو مع محبوبه إلى القبر فإذا وصل إلى القبر فارقه, فجعلت الحسنات محبوبى فإذا دخلت القبر دخل محبوبى معى ,فقال :أحسنت يا حاتم فما الثانية؟
فقال :نظرت فى قول الله عز وجل (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ,فإن الجنة هى المأوى) فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق فأجهدت نفسى فى دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله. الثالثة :أنى نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من له شئ له قيمة ومقدار رفعه وحفظه,ثم نظرت إلى قول الله عز وجل(ماعندكم ينفد وما عند الله باق)فكلما وقع معى شئ له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظا,
الرابعة: أنى نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هم لا شئ ثم نظرت إلى قول الله تعالى(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فعملت فى التقوى حتى أكون عند الله كريما,
الخامسة:أنى نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم فى بعض ويلعن بعضهم بعضا وأصل هذا كله الحسد,ثم نظرت إلى قول الله عز وجل (نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا).
فتركت الحسد ةاجتنبت الخلقوعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عنى.
السادسة :نظرت إلى هذا الخلق يبغى بعضهم على بعض و يقتل بعضهم بعضا فرجعت إلى قول الله عز وجل (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فعاديته وحده واجتهدت فى أخذ حذرى منه لأن الله شهد عليه أنه عدو لى فتركت عداوة الخلق غيره. السابعة:نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة فيذل فيها نفسه ويدخل فيما لا يحل له,ثم نظرت إلى قوله تعالى(وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها) فعلمت أنى واحد من هذه الدواب التى على الله رزقها فاشتغلت بما لله تعالى على و تركت ما لى عنده , الثامنة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق,هذا على ضيعته وهذا على تجارته وهذا على صناعته وهذا على صحة بدنه وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله,فرجعت إلى قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبى
بارك الله لى ولكم فى القرانِ العظيم ونفعنى وأياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم,ادعوا الله وأنتم موقنون بالأجابه.

الحمد لله الذى يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد)
وأشهد أن لا إله إلا الله المللك الحق المبين وأشهد أن محمدا رسول الله إمام الأنبياء وسيد المصلحين
وبعد
قال شقيق يا حاتم , وفقك الله تعالى فإنى نظرت فى علوم التوراة و الأنجيل والزبور والفرقان العظيم فوجدت جميع أنواع الخير وهى تدور على هذه الثمانى مسائل فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة
قال أحد الصالحين أدركتهم وما يتعلم بعضهم من بعض إلا الورع وهم اليوم ما يتعلمون إلا الكلام
إن مثل هذا الفن ما يتعلمه إلا علماء الأخرة أما علماء الدنيا فيشتغلون بما يكتسب به المال والجاه
فينبغى لكل من يطلب العلم أن لا يطلب به غير ثواب الله تعالى فى الاخرة فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحيه حياة الأبد قال صلى الله عليه وسلم(إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم)
وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) فطالب الرياسة بالعلم هالك وهذا حال علماء السلف
فالعلماء ثلاثة إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرحون بطلب الدنيا المقبلون عليها,وأما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذى يدعو للاخرة وقد رفض الدنيا ظاهرا وقصد فى الباطن قبول الخلق وإقامة الجاه
وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون الخلق إلى الله ظاهرا وباطنا فانظر من أى الأقسام أنت ومن اشتغلت بالأعداد له ؟ فلا تظن أن الله تعالى يقبل غير الخالص لوجهه تعاى من العلم والعمل.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك و المشركين ,اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعا ,وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابا
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا, وصلوا رحمكم الله على نبيكم فى هذا اليوم المبارك
عباد الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون)وأقم الصلاة.....

{..بآرك الله لك على هذآ الطرح الطيب
وجزآك الخير كله..اثآبك ورفع من قدرك
ووفقك الله لمآ يحبه ويرضآه ..}

مــوضــوع رائـــع
رفع الله قــدرك في الـدارين
وأجــزلـ لك العطـــاء
شكـراً لطــرحك المميّز
وإنتقــائك الهـادف
جعله المولى في موازين حسناتك
بــــوركت جهـــودك