حيى على الفلاح

حيى على الفلاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ما أنت أيها الإنسان، إلا روح من أمر الله , خلفك بيديه، و نفخ فيك من روحه، و أسجد لك ملائكته، و فضلك على كثير من خلقه، وأمرك بتوحيده و طاعته، و أوجدك في هذه الدار، وسخر لك الليل و النهار وأمدك بنعمه التي في السموات والأرض و الأنهار والبحار و... وكرمك أعظم تكريم، فخلقك في أحسن تقويم، و أعدك أكمل إعداد، و وهب لك السمع و البصر و الفؤاد.
و خلاصة الكلام : أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، و من نعمه العظمى التي ليست بعدها نعمة أعظم منها - الإيمان، لأنك أصبحت بسببه أشرف الخلائق من الإنس و الجان، وعرض عليك الأمانة فحملتها، و أوضح لك فيها سبل الهداية والضلالة، و شرح لك فيها ما تحتاج إليها في حياتك و معادك من الحلال و الحرام و من الخسارة و النقصان، و يسر لك السبل في البر و البحر... فأنت باذنه و صنعته تغوص فی الماء و تطير في الهواء، و تتجاوز بتفكيرك و تقديرك أقطار السموات و الأرض، فهل رأيت أجل و أعظم من نفسك في خلق الله ؟

دواؤك فيك و ما تبصر و داؤك منك و ما تشعر


و تزعم أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر

هل أنت بعدهذه الحیاة القصيرة خالد لا تبيد؟ لا بل تموت و تحيى فتنشر و تبعث و تحشر، وتحاسب في كل ما قدمت في حياتك، لأن قلمَ الكرامِ الكاتبين دقيقٌ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، سواء كانت من خير أو شر من قول أو عمل، و نهاية هذه الحیاة القصيرة استقبال لحياة مطمئنة هانئة، فيها من صنوف الإنعام و التكريم ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر علی قلب بشر.
و ما هذا الجسم إلا قفص أنت فيه من المسجونين، وما الموت الذی تخشاه إلا نقلة من الحياة الفانية إلى تلك الحياة الباقية {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}.
ففكر في قضية حياتك، إن كنت أدركت سر حياتك فتجد نفسك فائزة و ناجحة أمام الله عز وجل في يوم القيامة، لأن الله جعل لك هذه الدار دار عمل و الآخرة دار جزاء... وحذرک من الاغترار بهذه الدنيا و الانشغال بها عن الآخرة، لأن الدنيا ممر و الآخرة هي المقر.
فقم أيها العزيز المسلم، و سجل اسمك في قائمة الأبطال الذین عرفوا سر الحیاة، بأنها فانية، و اختاروا الدار الآخرة واللحاق بالحور العين، فكن فارسا في صفوف الذین أعراسهم شهادة، و أفراحهم يوم الفتح المبين.
فالحق بهؤلاء الذین لا زالوا شامخين كالطود العظيم أمام السيول الجارفة، و ما طأطؤا رؤوسهم تحت لهيب سلاح العدو من الرصاصات و الصواريخ، و لا زالوا يرفعون نبرات الجهاد، مسرعين إلى الوغى و إلى هدم أكواخ الشياطين، فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر، و ما بدلوا تبديلا.
فيا أخي المسلم! مزق رداء النوم و الغفلة، و ارتد لباس النشاط و اليقظة، و قم بإصلاح نفسك و أسرتك و عشيرتك، ثم حاول واجتهد و جاهد و صابر في تجهيز مجتمع إسلامي مثالي ليكون نموذجا، بل مرآة. تلوح فيها التعاليم الاسلامية في العقائد و المعاملات، و الجهاد و الفروسية. ليتنفس فيه المسلم بطمأنينة و سكينة، و يشم فيه رائحة الإيمان، و يشعر بالسعادة الحقيقية. وكأنه انتقل من الجحيم إلى الجنة ومن الشقاء إلى السعادة، و يرى الإسلام يسود على المجتمع من المسجد إلى السوق و من المحاكم إلى البيوت.
فكن مسلما كاملا مجاهدا، لأن كون المسلم الكامل المجاهد في المجتمع، كضوء منور في ليل دامس، و كشجرة مثمرة خلال الأشجار، أو كسحاب ممطر الذی یتخضر به الأرض بعد يبسها، فكن ذالک المسلم الذی یتحلى بكل فضيلة و ينفر عن كل رذیلة، له همة عالية، وآداب سامية، يكون رحيما على أخيه المسلم، شديدا على العدو الغاشم، يجاهد في سبيل الله بسيفه و قلمه، ولسانه و ماله، لإعلاء كلمة الله، وليكون الدين كله لله.
أسأل الله تعالى أن يستخدمني وإياكم لما يحبه ويرضاه. آمين.