عبد الوهاب بن لطف الديلمي
جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «...ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته »(1).
في العدل:
ورد في السنة المطهرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - عز وجل - وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا »(2).
في ظلم الحاكم والوالي وغيرهم:
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحذر من ظلم الحاكم والوالي ومن الظلم عموماً، ومن شدة تحذيره من ظلم الحاكم كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهذا الدعاء فيقول: « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به »(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: « ما من عبد يسترعيه الله يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة »(4).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة »(5).
وقال أيضاً: « الظلم ظلمات يوم القيامة »(6).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: « اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب »(7).
وقال أيضاً: « إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته »(
، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود: 102.
لا تعطى الإمارة لمن لا يحسنها:
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبي ذر - رضي الله عنه -: « يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم »(9).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: « قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب على منكبي ثم قال: " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الأمانة عليه فيها »(10).
يقول ابن الجوزي: روينا أن بعض بني مروان هرب إلى بلاد الحبشة لما ظهرت ولاية بني العباس، فنزل بلادهم فأتاه ملك الحبشة وقال له: ما الذي جاء بك؟ قال: ولي الأمر غيرنا فاستجرت بك. فقال: أنتم تزعمون أن نبيكم حرم الخمر فلم شربتموها؟ فقال: إنما يفعل ذلك رعاع الناس ومن لا خلاق لهم. قال: وتقولون إنه حرم الحرير فلم لبستموه؟ فقال: إنما يفعله أتباع لنا. قال: وتخرجون إلى الصيد في طلب عصفور فتنزلون بالقرى فتأخذون أموالهم وتفسدون زروعهم؛ فقال: إنما يفعله الجهال. قال: لا والله بل بارزتم الله بالذنوب فسلبكم الملك.
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -:
ومن كلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بعد توليته الخلافة أنه قال: (أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حسن فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم. ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه) (11).
وكانت سياسة أبي بكر - رضي الله عنه - الالتزام بكتاب الله - تعالى -وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يجد فيها استشار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ بالرأي الناتج عن ذلك(12).
عمر الفاروق - رضي الله عنه -:
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: (من رأى في اعوجاجاً فليقومه، فقال له رجل: سنقومك ولو بهذا السيف، فأجابه: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر ولو بالسيف).
وقال أيضاً: إني لا أجد يحل لي أن آكل من مالكم إلا ما كنت آكل من مالي؛ الخبز والزيت، والخبز والتمر(13).
وخطب عمر وهو خليفة وعليه أزار فيه اثتنا عشرة رقعة(14)، وكان يدني يده من النار ويقول: يا ابن الخطاب أتصبر على هذا.
عثمان بن عفان - رضي الله عنه -:
كان رضي الله يصوم الدهر، ويقوم الليل، ويقيل في المسجد، وكان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت(15)، وكان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت(16).
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
كان - رضي الله عنه - يفرق بيت المال، ثم يكنسه ويصلي فيه ركعتين(17).
قال ضرار بن سعد في وصفه: كان يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما خشن، فأشهد الله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته، يبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا إليَََّ تعرضت أم لي تشوفت، هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، عمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه آه من قلة الزاد وطويل الطريق(18).
عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه -:
لما ولي الخلافة قدمت إليه مراكب الخلافة، فقال: مالي ولها، نحُّوها عني وقدموا لي دابتي، فقربت إليه، فجاء صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنح عني، مالي ولك، إنما أنا رجل من المسلمين(19)، وأمر بالستور فرفعت، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فأمر ببيعها، وإدخال ثمنها بيت المال(20).
_________________
(1)- أخرجه مسلم عن ابن عمر، كتاب الإمارة، باب رقم 5، ج3 برقم 1829.
(2)- أخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب 5 فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ج3 برقم 1827 عن عبدالله بن عمرو.
(3) -أخرجه مسلم ج3، كتاب الإمارة باب 5 برقم 1828.
(4) -أخرجه مسلم ج3، كتاب الإمارة، باب 5 برقم 142.
(5) - مسلم 1/ 125، حديث رقم: 142.
(6) - البخاري 3 / 169 كتاب المظالم، من حديث عبدالله بن عمر.
(7) - البخاري 3/ 169، كتاب المظالم من حديث عبدالله بن عباس ومسلم ج1 كتاب الإيمان 29 من حديث معاذ بن جبل وابتعاثه إلى اليمن.
(
- البخاري 6/ 94 تفسير سورة هو من حديث أبي موسى، وفي مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب 15، تحريم الظلم برقم 61-2583. من حديث أبي موسى كذلك ص1997.
(9) - مسلم 3/1457، حديث رقم: 1826.
(10) - مسلم 3/1457.
(11) - مصنف عبدالرزاق 11/336.
(12) - راجع سنن الدارمي باب الفتيا في المقدمة1/55.
(13) - ابن الجوزي: صفوة الصفوة 1/28، وأحمد بن حنبل: في الزهد: 124.
(14) - الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء لابن الجوزي: 83.
(15) - الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء صـ84.
(16) -صفة الصفوة، 1/315 الأصبهاني في الحلية 1/84.
(17) - صفوة الصفوة: 1/315.
(18) - صفوة الصفوة: 1/315، الأصبهاني في الحلية 1/84، ابن عبدالبر في الاستيعاب.
(19) - صفوة الصفوة 2/113، وابن كثير في عمر بن عبدالعزيز 106 والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 231.
(20) - صفوة الصفوة، 2/115، ابن الأثير في الكامل 4/164 وابن كثير: عمر بن عبدالعزيز: 61.