ماماتتْ عصافيرُ الأمل

ماماتتْ عصافيرُ الأمل



عندما يخرج من قلب العتمة النور , ويولد من رحم الحزن السرور

قال تعالى : ( فإن مع العسر يسراً, إن مع العسر يسراً ) .

ونرمز هنا ب( عصافير الأمل ) للأمل المشرق في قلب ليل اليأس فيحيله نهارا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة إن استطاع أن يغرسها فليغرسها ) .

و(عصافير الامل ) هو الأمل المشرق الذي يجب أن يراه المؤمن دائماً. فلا

تيأسن أخي إذا أظلمت الدنيا في وجهك

فليس بعد الظلام إلا النور وليس بعد الحزن إلا السرور , ولاتستكين ـ إذا فشلتْ ـ لآثار الفشل

بل تسلح بالأمل الواعد وعد إلى الدرب وحاول مرة أخرى ولكن معك في تلك المرة

نتاج تجربتك السابقة نوراً يضيء لك الدرب من جديد . هل فهمت ؟ اتخذ من الفشل نوراً للنجاح

وانهض من كبوتك ولاتركن لليأس عند عثرتك . بل تدارس الأسباب وانهض بها لتبدأ من جديد, تبدأ

مع الخبرة وحكمة التجربة.

حكى لي والدي رحمة الله عليه وهو يربيني على عدم اليأس ( أن قائداً لجيش خاض بجيشه حرباً

فحرباً وفي كل مرة يهزم حتى خارت عزيمته واستسلم لليأس وركن لداعي الفشل , وإذا به وهو

جالس كئيب حزين يرى نملة تحمل كسرة خبز وتصعد الجدار حتى إذا اقتربت من مسكنها تسقط

منها قطعة الخبز لتعبها وعاودت الكرة أمامه مرات حتى دخلت المسكن وهو يرمقها بعينه منبهراً

بعزيمتها وتصميمها على بلوغ هدفها وعدم يأسها فوبخ نفسه ونسب التقصير إليها وقام يعد

جنوده وينظمهم ويتدارك العيوب التي من أجلها هزموا ودخل الحرب بعزيمة لاتلين فانتصر على

أعدائه ونال ماكان يريد وقال ( علمتني نملة ) ).

فالعزيمة الصلبة عندما تكون سلاحاً للإنسان في حياته لاتخور قواه أمام الشدائد وتكون حائطاً

للصد أمام المحن , فلتجعل عينيك ترى ( عصافير الأمل ) أمامها في دربك

الطويل في تلك الحياة المليئة بالصعاب والمتاعب.

كيف تيأس أو يتسرب اليأس إلى نفسك والدنيا مازالت بين يديك وملك يمينك تنتظر منك أن تعاود

الكرة لتنجح هذه المرة ؟

كيف تقنط والشمسُ تشرق كل صباح من جديد لتزيح عتمة الليل البهيم ؟

كيف تحزن والبلبل يصدح بأحلى الألحان بتغريده الجميل ؟ والنسمات العليلة مازالت تتمايل بأوراق

الشجر يمنة ويسرة , وجمال الحياة أمام عيوننا , وبين أيدينا لاتجعلنا نقنط بعدها أبداً , ماماتت

(عصافير الأمل) أبداً وماخلقت لتموت , كم من مرة كبا الجواد فقام أشد

عزيمة مما كان عليه قبل كبوته ؟

وكم من عثرةٍ صنعت رجالاً سطروا لنا في التاريخ أمجاداً وعظائم , ولولا عثرتهم ماكانوا

ومافعلوا شيئا.

إن الحياة شرعتها الكفاح , وديدنها الفشل والنجاح , فإن نجحنا نستمر ونتقدم وإن فشلنا نعاود

الكرة مستفيدين من أخطائنا وأيضاً نتقدم , فدائماً نحن للأمام ولاننظر للخلف ولانهتم به إلا لأخذ

العبرة من ماضينا ثم نتقدم

إن حكمة الله اقتضت في الحياة التعب قال تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) , وسلاح

محاربة اليأس في تلك الحياة هو سلاح العزيمة والقوة الدافعة فيها هو :

( الأمل المشرق )

أو : ( عصافير الأمل )

ألم تلحظ أن نور الفجر دائماً يأتي بعد الظلام ؟

وأن بعد النقص يأتي التمام ؟

وأن بعد الحرب يأتي السلام ؟ وأنه بعد اللؤم تأتي أفعال الكرام ؟

( فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا) .

ماماتت (عصافير الأمل ) أبداً وماخلقت لتموت , كلمات قرأتها فحركت

دواخلي . لم يصيب الإنسان

اليأس وجمال الدنيا لانستطيع وصفه لفرط عظمته ؟ ورحت أبحث في نتاج شعرائنا العظام عن إنتاج

في ذلك المعنى فعثرت على أعمال جليلة لشاعرنا العظيم شاعر الأمل : إيليا أبي ماضي

يقول في الصبر والتأني :

( كم تشتكي وتقول أنك معدمٌ
والأرض ملكك والسما والأنجمُ )

ويقول في * ابتسم *

( قال : السماءُ كئيبةٌ وتجهما
قلت : ابتسم يكفي التجهم في السما )

ويقول :

( فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى
متلاطمٌ ولذا نحبُ الأنجما ) .

ويقول في ( كن بلسماً ):

(إن الحياة حبتك كل كنوزها
لاتبخلن على الحياةِ ببعض ما )

إن الجديد في دنيانا هو الإشراق: إشراق الشمس بعد العتمة, وإشراق العزيمة بعد الكبوة, إشراق

النجم بعد الغيبة, وإشراق النفس بعد الغفوة, وإشراق الأمل بعده الصحوة, وإشراق التوفيق بعد

العثرة

ماماتت (عصافير الأمل ) أبداً وما خلقت لتموت, مامات الأمل في قلوبٍ

تنبض . إنه شعور أصيل في وجدان أصحاب تلك القلوب يحيا معهم ماحيوا

يجري في عرقهم مع دمائهم ويذوب في تلك الدماء يحتسونه مع كل صلاه يقنتون فيها لخالقهم

الذي رباهم على أنهُ : ( لاحياة مع اليأس ولايأس مع الحياة )

يقول إيليا أبي ماضي شاعر الأمل :

(هشت لك الدنيا فمالك واجماً ؟
وتبسمت فعلام لاتتبسم؟ ).

ألم يبتسم لك الصبح عندما بزغ بضوئه من قلب العتمة ؟ فأحيا في قلوب العباد آمالاً عظاما رقدوا

يحلمون بها وبتحقيقها في ليلهم الطويل

هذه إخواني هي سنة ذلك الكون الرحب أن يخرج النور من الظلمة,

ويبزغ النجاح من قلب الفشل والغمة.

أسعدك الله بكل خير

كل الشكر على مشاركتك القيمه والمتميزه

جزاك الله كل خير